يهود مصر كانوا لسنواتٍ جزءًا من من المجتمع المصري، بعد يوليو 1952، تغيّر الحال وبدأت أعدادهم تقل بشكلٍ كبير.. ولعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي يحتلّ مكانة عالية في قلوب العديد من المصريين، ساهم بقراراته في تقليص عدد يهود مصر.
وما حدث لليهودي الراحل شحاتة هرون في عصر عبد الناصر قد يكون صورة مُصغرة لماذ حدث لباقي اليهود آنذاك…
فعلى الرغم من كل الحب الذي حظى به ناصر، إلا أن كثير من محبيه دخلوا السجن في عهده.. وهارون من أبرز الشخصيات الذين دخلوا السجن في عهد ناصر.
رفض هارون الخروج من مصر رفضًا تامًا، وطلب أن ينضم للجيش بعد النكسة.
في التالي تتعرَّف على جانبًا من حياة اليهودي المصري مؤسس “الرابطة اليهودية للكفاح ضد الصهيونية”:
درس في المدارس المسيحية وتعلم العربية على يد شيخ أزهري
ولد شحاتة هارون بمصر عام 1920، في أسرة يهودية مصرية متوسطة الحال.
الأب كان بائعًا في محلات “شيكوريل” التي أسسهل رجل أعمال يهودي، وهي سلسلة لأحد أكبر محلات الملابس في ذلك العصر، ما ساعد شحاتة أن يتعلم بصورة جيدة.
اقرأ أيضًا: السعودية تاسع أقوى دولة في العالم وإسرائيل رقم 8.. فين مصر؟!
يقول شحاتة أنّ والده أرسله إلى مدرسة “الفرير الكاثوليكية” وهي مدرسة مسيحية.. لكنه بعد فترة شعر أنّ هذا قد يؤثر سلبًا على معرفة شحاتة أصول الديانة اليهودية، فأحضر له حاخامًا خاصًا ليعلمه اليهودية، وشيخًا أزهريًا ليعلمه قواعد النحو والصرف في اللغة العربية.
وأوضح شحاتة هارون أنَّ الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام) أثرت بشكلٍ أو بآخر في تكوين فكره العلماني، والذي ورثه لبناته من بعده.
كلية الحقوق بداية دخوله عالم السياسة

قرر هارون (أحد شباب يهود مصر) الالتحاق بكلية الحقوق فى جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وتخرّج وحصل على الليسانس في أوائل الأربيعنيات.
تعرَّف شحاتة خلال فترة الدراسة بالكلية على صديق عمره المفكر الإسلامي عبد الرحمن الشرقاوي، ولم يكن الاختلاف الفكري عائقًا في هذه الصداقة.
اقرأ أيضًا: ما علاقة المصري مينا مسعود بإسرائيل؟ هذا ما قاله عنها
عمل شحاتة هارون بالمحاماة عقب تخرُّجه، وتم توظيفه في قسم تسجيل ورعاية براءات الاختراع.
كما انضم كعضو مؤسس بارز في الحركة الشيوعية في أربعينيات القرن الماضي.
رفض المحامي شحاتة هارون “الصهيونية” منذ بداية الحركة الصهيونية، ووصفها بأنها “كيانًا عنصريًا خرافيًا، ضد التاريخ وضد قوانين الطبيعة”.
وعقب خروجه من السجن عام 1947 أسس مع رفاقه “الرابطة اليهودية للكفاح ضد الصهيونية”، لتكون فيما بعد سببًا في دخوله السجن مرة أخرى عام 1948.
وعقب ندلاع ثورة يوليو 1952، كان من أشدّ مؤيديها.
اشهر يهود مصر.. ضحى بحياة ابنته الأكبر من أجل البقاء في مصر

تزوج شحاتة هارون وأنجب ثلاثة بنات: “منى، وماجدة، ونادية”، وهن من ملأن عليه حياته، لكن تظل مصر المسيطر الأكبر على روحه.
في الخمسينيات أصيبت ابنته الكبرى منى بمرض “لوكيميا الدم”، فما كان عليه إلا إعطائها دمه بشكلٍ شبه يومي
كان المكان الأنسب لعلاج ابنته هو فرنسا، لكن وقتها فُرض عليه الاختيار إما أن يسافر مع ابنته إلى فرنسا ولكن بلا عودة إلى مصر، إما أن يستمر في مصر! فاختار البقاء في مصر حتى لا يُجبر على الابعتاد، لكنه بهذا القرار ضحى بابنته التي توفيّت بسبب مرضها.
وفي هذا الموقف الصعب، قال شحاتة لزوجته:
“القاهرة صخرتى التى لن أبيعها باللآلئ، ولا حتى بحياة منى”.
طلب الانضمام لصفوف الجيش المصري عقب النكسة.. فاعتقله عبد الناصر
على مدار حياته في مصر، وخصوصًا وقت الأزمات الكبرى يكون هارون شخصية مثيرة للجدل والشكوك لكل من لا يعرفه.
اتهمه موسى صبري رئيس تحرير جريدة “الأخبار”، بأنه يهودي يساري ينظم المظاهرات، ويقذف الحجارة.
كما واجه اتهامات أخرى، أبرزها أيضًا أنه مجرّد جاسوس لحساب إسرائيل أصر أن يظل في مصر لإكمال نشاطه المعادي، وتعرَّض مكتبه لفرض الحراسة من الدولة عام 1956.
لكن كل ذلك لم يغير من مواقفه العدائي تجاه الصهيونية، وحبه الشديد للعروبة ووطنه مصر.
عقب نكسة 1967 أرسل خطابًا لنقيب المحاميين أحمد الخواده، قال في مضمونه:
“عزيزي أحمد، تحية كفاح أبعثها إليك مع استمارة التطوع.. تاركًا لك اختيار المكان الذي أستطيع فيه أن أؤدي حقي وواجبي في المعركة، وإذ أعتبر مجلس النقابة قيادة لي”.
عقب خطابه لنقابته بالتطوّع في الجيش، رأت السلطات أن مكان هارون في المعركة هو السجن، واعتقل عدة مرات منذ 1967 إلى 1975 للشك في ولائه.
اعترض على “كامب ديفيد” فذهب إلى مصيره المعروف!
عقب وفاة عبد الناصر ظلّ شحاتة هارون متمسكًا بمبادئه الشيوعية والنضالية من أجل الشعب، وضد ما اعتبره ظلم الحاكم.
كان من القيادين في انتفاضة الخبز التي اندلعت في ناير من عام 1977ووصفها السادات بـ”انتفاضة الحرامية”، ما أدى إلى اعتقاله، وما ان خرج من السجن، ذهب ليعترض على اتفاقية السلام مع إسرائيل المعروفة بـ”كامب ديفيد” عام 1979.
وقيل أنه عند زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للمعبد اليهودي بمصر عام 1979، ذهب هارون للتنديد بالاتفاقية.
وأوضح في كلمته لرئيس الوزراء، أن الاتفاقية ظالمة وهادرة لحقوق مصر والمصريين، ما أدى إلى اعتقاله فجرًا.
وكان أحد المطلوبين في حملة اعتقالات سبتمبر 1981 وفق قرارات التحفظ على القوى الوطنية.
وفاة هادئة في عصر مبارك
بعد انتهاء حكم السادات أزيلت بعض القيود التي كانت على حياة المحامي اليهودي المصري شحاتة هارون.
وعاش يغرس في “نادية وماجدة” حب مصر وبغض الصهيونية وإسرائيل، حتى مماته.
توفي شحاتة هارون عام 2001 في مصر، ودفن في مقابر اليهود بالبساتين بعد 5 أيام من وفاته، حيث كانت الأسرة في انتظار حاخامًا من فرنسا لإجراء الطقوس الجنائزية، ورفضت مبادئهم ومبادئ والدهم إحضار أي من الحاخامات الصهاينة من إسرائيل.
اشتكت ابنته ماجدة هارون مؤخرًا من سوء أحوال مقابر اليهود، لا سيما بعد ظهور “نبش” بجوار قبر والدها، مؤكدًا أنّها لا تمتلك أموالًا كافية لبناء سور حول المقابل التي يعود تاريخيها إلى عصر ابن طولون أي يمتد عمرها لنحو 500 عام!
Comments
0 comments